فصل: بَابُ بَيْعِ الْأَمَةِ الْحَامِلِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ بُيُوعِ ذَوِي الْأَرْحَامِ:

قَالَ لَيْسَ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي الْهِبَةِ وَلَا فِي الصَّدَقَةِ وَلَا فِي الْوَصِيَّةِ إذَا كَانَ صَغِيرًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ بِسَبَايَا فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَصَفَّحُهُمْ فَرَأَى جَارِيَةً وَالِهَةً فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَأْنِهَا فَقَالَ زَيْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ احْتَجْنَا إلَى نَفَقَةٍ فَبِعْنَا وَلَدَهَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَدْرِكْ أَدْرِكْ لَا تُولَهُ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَكَذَلِكَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ شَخْصَانِ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ مُحَرِّمَةٌ لِلنِّكَاحِ وَهُمَا صَغِيرَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِخْرَاجِ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ كَذَلِكَ وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي عِتْقِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَبَ لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ مَا فَعَلَ الْغُلَامَانِ فَقَالَ بِعْتُ أَحَدَهُمَا فَقَالَ أَدْرِكْ» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالْكَبِيرِ وَالْكَبِيرُ يُشْفِقُ عَلَى الصَّغِيرِ وَيَقُومُ بِحَوَائِجِهِ فَفِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا إيحَاشُهُمَا وَتَرْكُ التَّرَحُّمِ عَلَيْهِمَا وَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَالْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الشَّفَقَةِ الَّتِي تَنْبَنِي عَلَى الْقَرَابَةِ ثُمَّ تَمْتَدُّ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ إلَى الْبُلُوغِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ الصَّغِيرُ عَنْ الْكَبِيرِ فِي التَّرْبِيَةِ وَاعْتِمَادُنَا فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِالْإِسْنَادِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ لَا تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ بَيْنَ السَّبْيِ وَالتَّفْرِيقِ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْغُلَامُ وَتَحِضْ الْجَارِيَةُ» وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا رَاهَقَ الصَّغِيرُ وَرَضِيَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَرُبَّمَا يَرَيَانِ مَصْلَحَةً فِي ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ عِنْدَ ذَلِكَ بِرِضَاهُمَا فَأَمَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُومُ بِحَوَائِجِهِ، وَرُبَّمَا لَا يَسْتَأْنِسُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ بَلْ يَسْتَوْحِشُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ إذَا اجْتَمَعُوا فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلِهَذَا حَرَّمَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا.
وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِرَجُلٍ وَوَلَدُهُ الصَّغِيرُ مَمْلُوكٌ لِابْنِ الرَّجُلِ، وَهُوَ صَغِيرٌ فِي حِجْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُمَا مَا اجْتَمَعَا فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَالْأَبُ فِي التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ وَلَدِهِ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَلَدِ لَوْ كَانَ بَالِغًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوَلَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا جَمِيعًا فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيُمْسِكَ الْبَاقِيَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ يَرُدُّهُمَا أَوْ يُمْسِكُهُمَا؛ لِأَنَّ فِي مَعْنَى كَرَاهَةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ وَقَاسَ بِمَا لَوْ اشْتَرَى مِصْرَاعَيْ بَابٍ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا أَوْ يُمْسِكَهُمَا وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُثْبِتَ لِحَقِّ الرَّدِّ لَهُ هُوَ الْعَيْبُ، وَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَعِيبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّ الْآخَرِ بَعْدَ تَمَامِ الصَّفْقَةِ ثُمَّ هَذَا تَفْرِيقٌ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ فِي أَحَدِهِمَا فَيَجُوزُ كَالدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ وَالْبَيْعِ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شِقْصٌ لَمْ أَكْرَهْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ شِقْصَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُمَا مَا أَجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ وَكَرَاهَةُ التَّفْرِيقِ بِنَاءً عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ.
وَلَوْ كَانَا مَمْلُوكِينَ لَهُ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَ مُسِيئًا وَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَسْتَحْسِنُ إبْطَالَ الْبَيْعِ فِي الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ وَلَا أُبْطِلُهُ فِي الْأَخَوَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بَاطِلٌ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَدْرِكْ أَدْرِكْ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِدْرَاكِ بِالِاسْتِرْدَادِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ فَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِمَا جَمِيعًا قَالَ الْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَرَّقَ لِقُوَّةِ الْوِلَادَةِ وَضَعْفِ الْقَرَابَةِ الْمُتَجَرِّدَةِ عَنْ الْوِلَادَةِ وَحَمَلَ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَدْرِكْ عَلَى طَلَبِ الْإِقَالَةِ أَوْ بَيْعِ الْآخَرِ مِمَّنْ بَاعَ مِنْهُ أَحَدَهُمَا، وَهُوَ تَأْوِيلُ الْحَدِيثَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالْقِيَاسُ لَهُمَا فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ أَحَدِهِمَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْبَيْعِ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِالْبَيْعِ، وَهُوَ الْوَحْشَةُ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْبَيْعِ فِي شَيْءٍ وَالنَّهْيُ مَتَى كَانَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ كَالنَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ.
قَالَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُكَاتِبَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ مَآلُهُ الْعِتْقُ فَهُوَ كَالْإِعْتَاقِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْتِقَ أَحَدَهُمَا فَكَذَلِكَ يُكَاتِبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيقَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا التَّصَرُّفِ بَلْ يَزْدَادُ الِاسْتِئْنَاسُ وَيُمَكَّنُ الْكَبِيرُ مِنْ الْقِيَامِ بِحَوَائِجِ الصَّغِيرِ إذَا كُوتِبَ أَوْ أُعْتِقَ وَرُبَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ شِرَائِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا نَسَمَةً لِلْعِتْقِ وَيُمْسِكَ الْآخَرَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ.
وَهَذَا لِأَنَّ بَيْعَ نَسَمَةٍ لَيْسَ بِبَيْعٍ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَإِنَّ الْبَيْعَ بِهَذَا الشَّرْطِ لَا يَجُوزُ وَلَكِنَّهُ مِيعَادٌ بَيْنَهُمَا فَرُبَّمَا يَفِي بِهِ الْمُشْتَرِي وَرُبَّمَا لَا يَفِي فَيَبْقَى التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا مُتَحَقِّقًا فِي الْحَالِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مَنْ يَشْتَرِي النَّسَمَةَ لِلْعِتْقِ الْوَفَاءُ بِمَا يَعِدُ وَإِنَّمَا يَنْبَنِي الْحُكْمُ عَلَى الظَّاهِرِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خِلَافُهُ فَبَيْعُ أَحَدِهِمَا نَسَمَةً كَبَيْعِهِ مِنْ قَرِيبِهِ لِيَعْتِقَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ.
قَالَ وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ أُخْتَانِ فَدَبَّرَ إحْدَاهُمَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا وَالْأُخْرَى صَغِيرَةٌ لَمْ أَكْرَهْ لَهُ بَيْعُ الصَّغِيرَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ التَّفْرِيقِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ بَيْعِهَا فَإِنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ التَّفْرِيقُ مُحَالًا عَلَى اخْتِيَارِهِ وَهُنَا هُوَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ بَيْعِ إحْدَاهُمَا فَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْأُخْرَى، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ فِي التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مُطْلَقٌ فَيَتَحَقَّقُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مِلْكِهِ فَيُكْرَهُ التَّفْرِيقُ وَفِي الْكِتَابَةِ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْمُكَاتَبِ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ لَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا.
قَالَ وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْمَمْلُوكَيْنِ لَهُ وَالْآخَرُ لِزَوْجَتِهِ أَوْ لِمُكَاتَبِهِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَا اجْتَمَعَا فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ بَيْعِهِمَا مِنْ وَاحِدٍ إذْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ وَمِلْكُ زَوْجَتِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا لِعَبْدٍ لَهُ تَاجِرٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ بَيْعِهَا فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ لَا يَنْفُذُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا لِمُضَارِبِهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ الْمُضَارِبُ مَا عِنْدَهُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُمَا وَلَا هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ بَيْعِهِمَا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُمَا.
قَالَ وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ أَمَةٌ فَبَاعَهَا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ اشْتَرَى ابْنَهَا كَرِهْتُ لَهُ أَنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ فِي الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ فَقَدْ اجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ ثُمَّ يَبِيعَهُمَا مَعًا، فَإِذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ فِي الْأَمَةِ كَانَ مُفَرِّقًا بَيْنَهُمَا بِاخْتِيَارِهِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَكَذَلِكَ إنْ سَكَتَ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ الْفَسْخِ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ كَاخْتِيَارِهِ إمْضَاءَ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَوْجِبَهَا؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ مَعَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ ابْنٌ لَهَا فَاخْتَارَ رَدَّهَا لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي مِلْكِهِ فَإِنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لَهُ وَعِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ لِحَقٍّ لَهُ فِي إحْدَاهُمَا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ.
قَالَ وَيُكْرَهُ لِلْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ التَّاجِرِ مِنْ التَّفْرِيقِ مَا يُكْرَهُ لِلْحُرِّ؛ لِأَنَّهُمَا مُخَاطَبَانِ وَفِي التَّمَكُّنِ مِنْ بَيْعِهِمَا مَعًا بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّيْنِ وَكَرَاهَةُ التَّفْرِيقِ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمَمْلُوكُ وَالْحُرُّ.
وَلَا يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ مِنْ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ غَيْرِ النَّسَبِ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ أَبِيعُ جَارِيَةً لِي قَدْ أَرْضَعَتْ وَلَدِي فَقَالَ قُلْ مَنْ يَشْتَرِي أُمَّ وَلَدِي، وَهَذَا لِأَنَّ الرَّضَاعَ وَالْمُصَاهَرَةَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ فِي حُرْمَةِ النِّكَاحِ خَاصَّةً وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقَرَابَةِ سِوَى الْحُرْمَةِ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ.
قَالَ وَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَمْلُوكَيْنِ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى ذَلِكَ تَنْبَنِي كَرَاهِيَةُ التَّفْرِيقِ.
قَالَ وَإِذَا اجْتَمَعَ أَخَوَانِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا مِنْ ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَفْرِيقٌ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ وَالْمِلْكِ، وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ التَّفْرِيقُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، فَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ بِأَمَانٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ مِنْهُ.
وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَفْرِيقٌ لِأَنِّي إنْ لَمْ أَشْتَرِهِ مِنْهُ لَأَعَادَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فَشِرَاؤُهُ مِنْهُ أَقْرَبُ إلَى النَّظَرِ مِنْ مُرَاعَاةِ التَّفْرِيقِ، وَلَوْ كَانَ قَدْ اشْتَرَاهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَرِهْتُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِمَا وَلَا يُمَكَّنُ أَنْ يَدْخُلَ بِهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُمَا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَهُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِحُرْمَةِ التَّفْرِيقِ فَالْمُسْلِمُ الْمُشْتَرِي مُخَاطَبٌ بِالتَّحَرُّزِ عَنْ اكْتِسَابِ سَبَبِ التَّفْرِيقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ بِشِرَاءِ أَحَدِهِمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلَى بَيْعِهِمَا بَلْ هُوَ مُمَكَّنٌ مِنْ أَنْ يُدْخِلَهُمَا دَارَ الْحَرْبِ كَمَا كَانَ الْبَائِعُ مُتَمَكِّنًا مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ مَعَ الصَّغِيرِ كَبِيرَانِ.
وَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْكَبِيرَيْنِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْقَرَابَةِ مِنْ الصَّغِيرِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْأَخَوَيْنِ وَالْخَالَيْنِ وَالْعَمَّيْنِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ أَحَدَ الْكَبِيرَيْنِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّهِ كَالْمُنْفَرِدِ بِهِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ قَالَ هَذَا يُمْنَعُ لِحَقِّ الصَّغِيرِ وَحَقُّهُ مُرَاعًى إذَا تَرَكَ مَعَهُ أَحَدَ الْكَبِيرَيْنِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهِ وَيَقُومُ الْكَبِيرُ بِحَوَائِجِهِ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَتْ قَرَابَتُهُمَا إلَيْهِ مِنْ جِهَتَيْنِ كَالْأَبِ وَالْأُمِّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ وَلَا يَبِيعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ نَوْعُ شَفَقَةٍ لَيْسَ لِلْآخَرِ وَلَهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعُ اسْتِئْنَاسٍ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْآخَرِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَبْعَدُ وَالْآخَرُ أَقْرَبُ إلَيْهِ فِي الْقَرَابَةِ كَالْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْأَبْعَدِ وَيُمْسِكُ الْأَقْرَبَ مَعَ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الصَّغِيرِ يَحْصُلُ إذَا أَمْسَكَ الْأَقْرَبَ مَعَهُ وَشَفَقَةُ الْأَقْرَبِ عَلَيْهِ أَظْهَرُ وَالْقَرَابَةُ الْبَعِيدَةُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْقَرِيبَةِ تَكُونُ الْبَعِيدَةُ كَالْمَعْدُومَةِ.
وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعَ اسْتِئْنَاسٍ كَمَا إذَا اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ.

.بَابُ بَيْعِ الْأَمَةِ الْحَامِلِ:

قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اعْلَمْ أَنَّهُ أَوْرَدَ هَذَا الْبَابَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَقَدْ بَيَّنَّا شَرْحَ مَسَائِلِهِ هُنَاكَ، وَهُوَ بِكِتَابِ الدَّعْوَى أَشْبَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا بَعْضَ الْمَسَائِلِ فِيمَا تَقَدَّمَ هُنَا أَيْضًا فَمِمَّا زَادَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُمَا الْبَائِعُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا حُصُولَ الْعُلُوقِ بِاَلَّتِي وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي مِلْكِهِ وَهُمَا تَوَائِمُ فَمِنْ ضَرُورَةِ التَّيَقُّنِ بِعُلُوقِ أَحَدِهِمَا فِي مِلْكِهِ التَّيَقُّنُ بِعُلُوقِ الْآخَرِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ لَا تَصِحُّ دَعْوَى الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ خَلَفَ وَلَدًا بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ عَنْ وَلَدٍ ثُمَّ أَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ نَسَبَ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ كَانَ ثَابِتًا مِنْ الزَّوْجِ بِالْفِرَاشِ وَبَقِيَ بَعْدَ اللِّعَانِ مَوْقُوفًا عَلَى حَقِّهِ حَتَّى لَا تَنْفُذَ دَعْوَةُ الْغَيْرِ فِيهِ فَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْإِكْذَابِ إذَا كَانَ مُقَيَّدًا وَتُقَامُ حَاجَةُ وَلَدِهِ إلَى ذَلِكَ مَقَامَ حَاجَتِهِ فَأَمَّا نَسَبُ وَلَدِ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ فَلَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مِنْهُ قَبْلَ الدَّعْوَى وَإِنَّمَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ لِحَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى النَّسَبِ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ فَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ وَلَدِهِ مَقَامَهُ فِي إثْبَاتِ نَسَبِهِ ابْتِدَاءً فَلِهَذَا لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ.
وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ صَبِيٌّ لَا يَنْطِقُ فَزَعَمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ ابْنُهُ فَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي ذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ وَيُصَدَّقُ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ فِي الِانْتِهَاءِ فَيُرِيدُ أَنْ يَتَدَارَكَ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لِخَفَاءِ أَمْرِ الْعُلُوقِ يُعْذَرُ فِي التَّنَاقُضِ فِيهِ ثُمَّ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْوَلَاءِ الثَّابِتِ لَهُ عَلَيْهِ وَبَيْنَ النَّسَبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَشْتَرِي ابْنَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَيَجْتَمِعُ لَهُ وَلَاؤُهُ وَنَسَبُهُ.
وَلَوْ كَانَ عَبْدًا كَبِيرًا أَعْتَقَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ لَمْ تَجُزْ دَعْوَتُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْعِتْقِ صَارَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَالْتَحَقَ بِسَائِرِ الْأَحْرَارِ فَالدَّعْوَى مِنْ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ لَا تَنْفُذُ إلَّا بِتَصْدِيقِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ مَوْلَاهُ إذْ هُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ فِي الْكِتَابِ أَسْتَحْسِنُ فِي الصَّغِيرِ كَمَا أَسْتَحْسِنُ فِي الْمُدَبَّرِ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا جَاءَا بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ.
قَالَ وَإِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَبَاعَ الْمَوْلَى الْأُمَّ مَعَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي الَّذِي اشْتَرَى نَسَبَهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى مَمْلُوكَهُ فِي حَالِ حَاجَتِهِ إلَى النَّسَبِ ثُمَّ يَثْبُتُ مِنْهُ نَسَبُ الَّذِي عِنْدَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ تَوْأَمٌ وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا مِنْهُ ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ، وَهُوَ عِنْدَ الْبَائِعِ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَدَعْوَاهُ دَعْوَى التَّحْرِيرِ وَالتَّوْأَمُ يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي التَّحْرِيرِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ ادَّعَى الْوَلَدَ الَّذِي عِنْدَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ كَانَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَدَعْوَاهُ تُوجِبُ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ الَّذِي بَقِيَ عِنْدَهُ وَالتَّوْأَمَانِ خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ وَلَا يُفْصَلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَجُوزُ نَقْصُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي لِضَرُورَةِ إثْبَاتِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ لَهُ.
قَالَ وَإِذَا بَاعَ أَمَةً حَامِلًا فَخَافَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ حَمْلَهَا وَأَرَادَ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُشْهِدُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْ عَبْدٍ لَهُ كَانَ زَوْجًا لَهَا وَلَيْسَ هَذَا بِتَعْلِيمٍ لِلْكَذِبِ وَلَا أَمْرٌ بِهِ فَإِنَّهُ لَا رُخْصَةَ فِي الْكَذِبِ وَلَكِنَّهُ بَيَانٌ لِحُكْمِ أَنَّ الْبَائِعَ أَقَرَّ بِذَلِكَ كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ وَقَدْ بَيَّنَّا بَقِيَّةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْإِعْتَاقِ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إنْ صَدَّقَهُ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَصْدِيقٌ وَلَا تَكْذِيبٌ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ لِإِقْرَارِهِ حُكْمَيْنِ إخْرَاجُ نَفْسِهِ عَنْ نَسَبِ هَذَا الْوَلَدِ وَاثِبَاتٌ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ مَا كَانَ مِنْ حَقِّهِ فَأَمَّا مَا هُوَ مِنْ خَالِصِ حَقِّ الْمُقِرِّ فَإِنَّ إقْرَارَهُ فِيهِ لَا يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ خُصُوصًا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْإِقْرَارُ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ يَبْطُلُ مِنْ أَصْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَاسَا النَّسَبَ بِالْوَلَاءِ فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَهَا فَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ وَلَاءَهَا لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ الْوَلَاءُ قَابِلٌ لِلتَّحَوُّلِ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ يَثْبُتُ لِمَوْلَى الْأُمِّ إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا، فَإِذَا عَتَقَ الْأَبُ تَحَوَّلَ وَلَاؤُهُ إلَيْهِ وَالنَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ فَعِنْدَمَا أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ نَسَبِ هَذَا الْوَلَدِ لَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ.
قَالَ أَمَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ صَحَّتْ دَعْوَاهُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ فَيَكُونُ هَذَا كَحُكْمِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا، وَلَوْ ادَّعَيَاهُ مَعًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا وَبَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ فِي مِلْكَيْهِمَا جَمِيعًا، وَلَوْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَدَعْوَى الْبَائِعِ تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَيَثْبُتُ بِهِ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِلْوَلَدِ فَيَكُونُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بَاطِلًا، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ رَجُلٍ، وَهِيَ حَامِلٌ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي الْحَبَلَ وَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَاَلَّذِي لَمْ يَبِعْ فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَمِنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَالْعُلُوقُ حَصَلَ فِي مِلْكِهَا وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مَا نَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ وَيَرُدُّ عَلَى الَّذِي لَمْ يَبِعْ نِصْفَ الْعَقْدِ لِإِقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ قَوْلُهُ وَيَرُدُّ عَلَى الَّذِي لَمْ يَبِعْ نِصْفَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ وَالصَّوَابُ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ الْعَقْدِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ جَمِيعًا وَهَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِوَطْئِهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ.
وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ فِي ضِمْنِ دَعْوَى النَّسَبِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْعَقْدِ لِلشَّرِيكَيْنِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَمِنْ الَّذِي لَمْ يَبِعْ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِحُصُولِ الْعُلُوقِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى الْبَائِعِ وَلَكِنَّ عَلَى الْبَائِعِ نِصْفَ الْعَقْدِ لِلَّذِي لَمْ يَبِعْ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا وَذَلِكَ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْعَقْدِ لِلَّذِي لَمْ يَبِعْ سَوَاءٌ كَانَ وَطْؤُهُ إيَّاهَا قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ بِشُبْهَةٍ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي عَقْدٌ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِوَطْئِهَا قَبْلَ شِرَائِهِ وَإِنَّمَا زَعَمَ أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ شِرَائِهِ فِي ضِمْنِ دَعْوَى النَّسَبِ؛ فَلِهَذَا لَا يَغْرَمُ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.